الحياة الخاصة مُقدسة .. لا تخرقوها

{title}
أخبار الأردن -

د. أشرف الراعي

يلاحظ مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية ووسائل الصحافة والإعلام التي تعتمد التناقل السريع للخبر والمعلومة، تزايد قيام البعض بخرق حرمة الحياة الخاصة للآخرين، من خلال العديد من الوسائل بما يخالف النصوص الدستورية والقانونية والعهود والمواثيق الدولية؛ فالحق في حرمة الحياة الخاصة يعد واحداً من أبرز الحقوق التي نص عليها الدستور الأردني والدساتير المقارنة، وعلى الرغم من أن حرية الرأي والتعبير مُصانة بموجب الدستور إلا أن ذلك لا يجوز أن يخترق حرمة الحياة الخاصة؛ فالدستور عندما نص على هذه الحرية في التعبير عن الآراء قيدها بحدود القانون وعدم تجاوزه.  

ولم يحصر الدستور الأردني حماية هذا الحق؛ أي الحق في الخصوصية في النصوص القانونية فحسب، بل نص عليه بشكل واضح ومباشر، كما نص على حرية الرأي والتعبير؛ ما يؤكد عدم التعارض بين حق الغير في التعبير وحق الآخر في حماية خصوصيته.

وباستعراض النصوص القانونية نجد أن هناك العديد من الصور والأشكال للتعدي على حرمة الحياة الخاصة ابتداء من الاعتداء على الاتصالات والمراسلات السرية والتصنت والتصوير بواسطة الكاميرات المثبتة في الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وغيرها من الأنظمة المتقدمة ونشرها عبر المنصات الرقمية، لكن الوعي المجتمع بها للأسف قليل جداً.
 
ولا يقتصر الحق في الخصوصية على ما ورد النص عليه في الدساتير والتشريعات الوطنية بل تناولته العهود والمواثيق والمؤتمرات الدولية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر المؤتمر الذي عقد في ستوكهولم في مايو 1967، والذي حدد من خلاله الفقهاء القانونيون المشاركون "الحق بالخصوصية على أنه "الحق الممنوح للناس ليعيشوا حياتهم بحرية، وحمايتهم من التدخل في حياتهم الخاصة، أو سلامتهم الجسدية والعقلية، أو الاعتداء على شرفهم وسمعتهم، أو وضعهم تحت الأضواء أو التجسس عليهم أو مرقبتهم أو تتبع معلوماتهم.

كما تنص عليه المادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية للعام 1966 بقولها إنه "1. لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته. 2. من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس"، كما تنص المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه "لا يجوز تعريضُ أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته. ولكلِّ شخص حقٌّ في أن يحميه القانونُ من مثل ذلك التدخُّل أو تلك الحملات". 

 لقد اعترفت عدة نظم قانونية بهذا الحق ومنها المشرع الأردني والمصري والفرنسي والإماراتي وغيرها من النظم المقارنة، كما بحث به الفقه. وفكرة الحياة الخاصة بشكل عام هي فكرة "مرنة" لا حدود لها تختلف من زمان إلى آخر، ومن مُجتمع إلى مُجتمع آخر أيضاً، كما تختلف بحسب الثقافات السائدة، والعادات، والتقاليد المرعية، والظروف الشخصية لكل فرد.

ومن أبرز التعريفات التي أطلقت على الحياة الخاصة التعريف الشهير للقاضي الأمريكي "كولي" في قضية أقيمت في كالفورنيا والذي عرف هذا الحق بأن "يترك الفرد وشأنه"؛ أي أن يعيش الفرد بعيداً عن فضول الآخرين دون أن يتعرض بغير رضاه أو رغبته للوضع تحت دائرة الضوء. وأما محل الاختراق في الحياة الخاصة هنا، هو كل شيء خاص يتعلق بهذا الشخص سواء كانت بيانات شخصية، أو معلومات ائتمانية أو تفاصيل حياته الخاصة مثل صورته الشخصية، وبصمات يديه، أو صفاته الجسدية أو السلوكية أو معلوماته العائلية أو أوضاعه الاجتماعية أو الاقتصادية والتي يمكن من خلالها تحديد هويته الشخصية.

ومن هنا فإن تجريم الاعتداء على هذا الحق هو تكريم للإنسان بصفته الإنسانية وصوناً لحريته الخاصة وكرامته ومنع الاعتداء عليها، ومن هنا نخلص إلى أن الحماية القانونية المقررة لحرمة الحياة الخاصة تعني حق الإنسان في إخفاء المعلومات التي يريدها عن غيره، وهو حق شخصي له التمسك به أو التنازل عنه، وتنازله هذا عنه يؤدي إلى إسقاط الحماية الجنائية عنه، وهو ما يجب أن يعيه المجتمع وهو ينشر المعلومات الخاصة بالأشخاص.

كل هذا التقديم من أجل بيان أهمية الخصوصية وتجريم الاعتداء عليها في نصوص قانون الجرائم الإلكترونية وقانون العقوبات وقانون الاتصالات وغيرها من القوانين، ما يستدعي توعية مجتمعية من أجل عدم الاعتداء عليها لأن خرقها يعني زعزعة الكيان المجتمعي وخلخلة أركانه، وهو ما لا نريده.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير